مقالة شهاب : شهاب بوساني

مقالة شهاب : شهاب بوساني

مقالة شهاب : شهاب بوساني

شهاب بوساني


لماذا اخترت اللغة العربية؟

     منذ صغري، كان لدي اهتمام كبير بالعالم الخارجي، فقد كنت أرغب في تعلُّم ثقافات الدول المختلفة، ومعرفة كيف يعيش الناس فيها. لذلك، تواصلت مع أشخاص من مختلف الدول، وخضت تجارب لا تُنسى مع ثقافاتهم المتنوعة. ومن بين هؤلاء كانت تجربة التواصل مع العرب تجربة مميزة، وجميلة. لقد أثّرت فيَّ ثقافة العرب، ولطفهم الدافئ تأثيرًا كبيرًا، وبالأخص شدّتني الخطوط العربية المميّزة، والجميلة، مما جعلني أُطوّر اهتمامي العميق بالعالم العربي، وثقافاته.

     ثم، خلال إجازة المدرسة الثانوية، حصلت على فرصة لتعلُّم اللغة العربية في الجامعة، وخلال الشهر الذي قضيته في تعلم اللغة، وقعت في حبها، وأصبحت أجد متعة كبيرة في دراستها، وخصوصًا حين أخبرني أستاذي أن تعلم اللغة العربية قد يفتح أمامي فرصًا، وظيفية رائعة، قررت أن أتخصص فيها.

     لذا، التحقتُ بجامعة بوسان للدراسات الأجنبية، في قسم اللغة العربية، وهناك، حصلتُ على اسمي العربي “شِهَاب”. لماذا “شِهَاب”؟ لأن كلمة “شِهَاب” تعني “النجمة الساقطة”، وهو ما يشبه معنى اسمي الكوري “يونغ بين”، فقررت أستاذتي منحي هذا الاسم العربي. بدأت بدراسة الثقافة العربية، وتاريخها، ولغتها. كان الأمر صعبًا في البداية، لكن مع مرور الوقت، ازداد حبي للغة العربية، وللعالم العربي.

     وخلال دراستي الجامعية، حصلت على فرصة مميزة للمشاركة في برنامج تبادل ثقافي برفقة أستاذي لزيارة دولة عربية. كانت أول زيارة لي إلى سلطنة عُمان، وهي أول بلد عربي أزوره في حياتي. لم أصدق أنني سأزور بلدًا عربيًا، وكان قلبي مليئًا بالحماس، وبعد زيارة عُمان، ازداد تعلّقي بالعالم العربي.




عُمان، أول دولة عربية زرتها

     كانت الرحلة إلى عُمان طويلة جدًا، فقد كانت المرة الأولى التي أستقل فيها طائرة لمدة عشر ساعات، وكان ذلك مرهقًا للغاية، لكنني كنت متحمسًا جدًا، إذ كنت على وشك الوصول إلى عُمان، ولذلك لم أستطع النوم في الطائرة.

     أولاً، وصلت إلى دبي. وعلى الرغم من أنني كنت قد سمعت عن دبي كثيرًا في التلفاز، والدروس، فإنني لم أصدق أنني وصلت إليها فعليًا. في عام 2018، كانت دبي مذهلة، إذ أنها مدينة شُيّدت في الصحراء، وكان ذلك أمرًا مدهشًا للغاية. المدينة كانت ضخمة، وجذّابة، ويمكن للمرء أن يرى الجهود الكبيرة المبذولة في بنائها.

     كانت خطتنا أن ننتقل من دبي إلى عُمان برًّا، لذا لم نقضِ وقتًا طويلًا في دبي. استأجرنا سيارة خاصة، وانطلقنا من مطار دبي إلى مدينة صُحار في عُمان. في البداية، كنت أظن أن جميع دول الخليج دول صحراوية فقط، ولكن أثناء الرحلة من دبي إلى عُمان، لاحظت تغير المناظر الطبيعية بشكل كبير، ما جعلني أدرك أن لكل دولة خليجية طابعها الفريد. ومع اقترابنا من عُمان، بدأت الجبال الصخرية تظهر، وتحولت المناظر المحيطة إلى مشهد يُشبه ما قرأته في “ألف ليلة، وليلة”.



     أخيرًا، وصلنا إلى الحدود العُمانية. كان هناك عدد من الجنود، فشعرت بشيء من التوتر، وخصوصًا عندما رأيت دقة التفتيش على الأمتعة، فخشيت أن يكون التفتيش صارمًا معنا أيضًا. لكن عندما علم الجنود أننا من كوريا، أصبحوا ودودين للغاية، وخلقوا جوًا مريحًا، وأخبرونا أن نستمتع بوقتنا في عُمان. كنت قد سمعت كثيرًا عن كرم العمانيين، وعندما رأيت ذلك بعيني، ازداد إعجابي بهم، وصدّقت بالفعل أنني في بلد عربي كريم.

     كنت قد تواصلت سابقًا مع بعض الأصدقاء العمانيين الذين تعرفت عليهم من خلال برنامج التبادل الثقافي، وعندما وصلت إلى مسقط، استقبلوني بحفاوة كبيرة!، وعلى الرغم من أنني كنت قلقًا بعض الشيء؛ بسبب القواعد الصارمة في الإسلام بشأن اللقاءات بين الجنسين، ولكنهم عاملوني بلطف، وأخذوني في السيارة، وأروني معالم مدينة مسقط، وأشهر أماكنها! ثم ذهبنا إلى السوق، حيث علّموني فن التفاوض، واشتروا لي زيًا عمانيًا تقليديًا كهدية! كانت عُمان جميلة في مناظرها، ولكن قلوب أهلها كانت أجمل من كل تلك المناظر.




     بعد مغادرة مسقط، توجّهنا إلى مدينة صُور، المشهورة بصناعة القوارب التقليدية. هناك، شاهدنا صناعة القوارب الكبيرة، التي تُعد رمزًا لدول الخليج، وتمكنّا من الصعود على أحدها. بعد ذلك، زرنا نزوى، التي كانت عاصمة عُمان القديمة، وقد شعرتُ أن نزوى تُشبه مدينة غيونغجو في كوريا. ثم ذهبنا إلى الجبل الأخضر، وجبل شمس بالقرب من نزوى. وكان هذا الجبل يُلقَّب بـ”الغراند كانيون العربي”؛ نظرًا لجماله الأخّاذ.

     بعد ذلك، زرنا صحراء وهيبة، المشهورة برمالها الحمراء، حيث قضينا وقتًا مع البدو، وتعلّمنا الكثير عن ثقافتهم، وحكمتهم. كانت رحلتي في عُمان وكأنني كنت بطلًا في قصة من قصص “ألف ليلة، وليلة”، وقد أثّرت فيّ هذه التجربة بشدة، وجعلتني أحب العالم العربي أكثر، فأكثر.





دراسة اللغة العربية في قطر

      بعد الرحلة إلى عُمان، واصلت دراستي الجامعية بجدٍّ، واجتهاد، إلى أن جاءت لحظة التحول الكبيرة في حياتي، عندما تم اختياري للحصول على منحة دراسية من الحكومة القطرية، منحتني فرصة الدراسة لمدة عام كامل في جامعة قطر. لم أكن أصدق أنني سأعيش في قطر لسنة كاملة، وكان ذلك أمرًا مذهلًا بالنسبة لي.

     وهكذا بدأت حياتي الدراسية في قطر. في جامعة قطر، درست اللغة العربية مع طلاب من جنسيات مختلفة. في البداية كنت أظن أنني لا أفتقر إلى مهارات اللغة العربية، لكنني فوجئت بوجود طلاب أجانب يتحدثون العربية بطلاقة تامة، كما لو كانوا من أهلها. حينها أدركت أنني كنت أعيش في قوقعة صغيرة، فقررت أن أكون مثلهم، وأن أتقن العربية مثلهم. درست بجدٍّ طوال العام.

     في البداية، كانت الواجبات، والعروض صعبة جدًا؛ لأن كل شيء كان يتم باللغة العربية، ولكنني واصلت الدراسة بجد، وتمكنت من تحسين مهاراتي بشكل كبير. شعرت بالفخر؛ لأني تغلبت على الصعوبات وحققت الكثير.

     كما أنني تواصلت مع طلاب من دول متعددة، مما فتح أمامي آفاقًا جديدة، ووسّع من رؤيتي للعالم. لقد كان لهذا العام الدراسي في قطر تأثيرٌ عميق على تطوّري في اللغة العربية، وذكّرني من جديد بسبب حبي لها.





لماذا لا تزال تدرس اللغة العربية؟

     يسألني كثير من الناس: لماذا لا تزال تدرس اللغة العربية؟ في وقت لا يجد فيه كثير من الناس وظائف في تخصصاتهم، وُفِّقتُ بالحصول على فرصة رائعة في شركة “يلا كوريا”، التي أستطيع من خلالها استخدام تخصصي.

    أكثر ما جذبني إلى تعلم اللغة العربية، وثقافتها هو لطف العرب، وطيبتهم وراحتهم في أسلوب حياتهم. الأصدقاء العرب الذين قابلتهم في البلدان العربية كانوا يعاملونني بلطف، واحترام، ولم يهتموا بمن أكون، أو من أين أتيت، ولكن لمجرد أنني كنت أتكلم العربية، عاملوني بكل لطف، وصدق. قلوبهم الدافئة، وأسلوب حياتهم المريح كان لهما أثر كبير في نفسي، وأصبح لدي شعور داخلي بأنني أريد أن أعيش يومًا ما مثلهم، وأن أتأقلم مع أسلوب حياتهم.

    أرغب كذلك في أن أتعلم كيف أكون لطيفًا مع الآخرين مثلهم، وأن أعيش حياة إيجابية خالية من القلق. لهذا السبب، لا أزال أواصل دراسة اللغة العربية، وأرفض التخلي عنها.

هدفي النهائي هو أن أتمكن من فهم اللهجات العربية المختلفة، والتحدث بها بطلاقة. تابعوا رحلتي الطويلة، التي لم تنتهِ بعد، في تعلّم اللغة العربية..





عن المؤلف


شهاب

تخرج من قسم اللغة العربية في جامعة بوسان للدراسات الأجنبية في عام 2024. منحة دراسية من الحكومة القطرية لدراسة اللغة العربية في جامعة قطر. عضو في فريق الرحلات الخاصة للعوائل في يلا كوريا.

"مرحبًا، أنا يونغ بين (شِهاب)، عضو جديد في يلا كوريا. أردت أن أقدم للزوار العرب في كوريا نفس الود و المرح الذي مررت به أثناء حياة دراسية في الدول العربية. لهذا السبب بدأت العمل في يلا كوريا. في هذا الكتاب، كتبت عن السبب الذي جعلني أبدأ دراسة اللغة العربية. أتمنى أن أتمكن من تقديم لحظات سعيدة وذكريات رائعة للسياح العرب في كوريا في المستقبل."

Leave a comment

* Required fields