
مقالة وردة : مغامرة في البحث عن اللغة العربية
مقالة وردة : مغامرة في البحث عن اللغة العربية
مغامرة في البحث عن اللغة العربية
وداعًا للعربية اللي تعلمناها من الكتب!
لما كنت صغيرة، سافرت مع عائلتي إلى دبي، ومن وقتها، وأنا أحلم أعيش هناك، ولو لفترة قصيرة! حلم صغير كبر معايا، وأخيرًا قررت أحققه، وأعيش في دبي لمدة شهر!
بما أنني أدرس اللغة العربية، رأيت أن أفضل طريقة لفهم الثقافة العربية بشكل صحيح هي من خلال تجربتها بشكل مباشر. في الجامعة، كثير من الطلاب يروحون الأردن لدراسة اللغة، وأنا كمان قررت أروح هناك، وقضيت نص سنة أتعلم وأستمتع. وبعد ما خلصت دراستي في الأردن، قلت: "الحين فرصتي!"، وفعلاً، رحت على الإمارات عشان أحقق حلم الطفولة، وأعيش شهر كامل في دبي.
العيش في دبي لمدة شهر، بين التوقعات، والواقع
وصلت أخيرًا إلى دبي اللي كنت أحلم فيها دايمًا، بس من أول لحظة، الأمور ما كانت سهلة أبدًا! عجلات شنطة السفر انكسرت، فاضطريت أشيل شنطتين ثقيلات بيديني، وكادت حقيبتي تضيع كمان!
كان عندي أكتر من خمسين كيلو من الأمتعة، وتخيلوا أشيل شنطة قدّي، وأنا أتنقل هنا، وهناك... طاقتي خلصت تمامًا، لكن كنت متحمسة جدًا؛ لأني وصلت دبي أخيرًا، فقررت أطلع تمشية ليلية... لكن الساعة 12 بالليل ودرجة حرارة الجو 40 درجة!
كنت أتوقع نسمات ليلية باردة مثل ليل كوريا، لكن الصدمة كانت إن الجو كان حار كأنه في ساونا! ما قدرت أتحمّل، وهربت بسرعة تحت المكيف. شهر أغسطس في دبي كان أحرّ بكثير مما كنت أتخيل. الحرارة توصل لخمسين درجة في النهار، والخروج وقت الظهيرة شبه مستحيل.
بس قلت لنفسي: بما إني هنا، لازم أستمتع لأقصى حد!، ورغم الحر، والتعب، كنت أتمشى، واستكشف دبي بكل حماس! لفيت أماكن كثيرة، وشوي شوي بدأت أحس بجو المدينة. ناطحات السحاب المبهرة، والأجواء الفخمة، والناس من كل أنحاء العالم! حرارة الجو أثناء التنقل، أو الشعور بالوحدة لما ما يكون في أحد يشاركك اللحظات الجميلة، أو يصوّرك قدام المناظر الرهيبة.
بس عارفين إيش؟ قررت أرجع مرة ثانية، بس المرة الجاية، بخطة أحسن، وتجهيز أقوى!
الحياة مو دايم تمشي على كيفنا
جاء الوقت إني أرجع للدراسة من جديد، بعد ما تركتها شوي عشان السفر، وأنا أودّع أيّام دبي الحلوة اللي قضيتها خلال شهر، بدأت أدوّر على معاهد، أو أساتذة خصوصيين.
لكن الأسعار كانت وايد غالية، والمعاهد، والأساتذة كانوا قليلين جدا للأسف، وقتها صرت أفكر: كيف أكمّل دراستي بهالطريقة؟
قال لي واحد من أصدقائي الأردنيين في دبي: "عمي يشتغل في أبوظبي، ويمكن يقدر يساعدك!"، وكان عنده زميل كوري درس العربية في عُمان! فسألته: "طيب، في معاهد حلوة داخل الإمارات؟" ورد عليّ: "في معهد ممتاز... بس في عُمان!" عُمان؟! هل يعقل أن أذهب إلى عُمان فجأة، ومن دون أي خطة؟ بحثت فورًا عن رحلة جوية، لكنني لم أستطع أن أجد مكانا أسكن فيه عند الوصول، وفكرة أنني يجب أن أعبر الحدود، وأنا أحمل خمسين كيلوغراما من الأمتعة، كانت مرهقة، ومربكة جدًا، حتى أنني فكرت، وأنا أبكي، في العودة إلى كوريا.
بس بعدين قلت لنفسي: خليني أحاول آخر مرة!، وأخذت رقم أستاذة في المعهد، اسمها الأستاذة وُضحَى، وسألتها إذا في وسيلة مواصلات من المعهد ممكن تساعدني فيها، والمفاجأة إن زوجها، الأستاذ وليد، يشتغل في أبوظبي، ويسكن في عُمان، كان مستعد ياخذني بسيارته!، وبكذا، وبشكل درامي جدًا، انتقلت لعُمان، وودعت حياتي المؤقتة في دبي، ولو أرجع أفكر في اللي صار... يمكن أقول إنه قرار مجنون شوية، بلا تخطيط، وبلا تجهيز حقيقي. بس يمكن عشان كنت صغيرة، كان عندي الشجاعة إني أخوض المغامرة ذي؟
عُمان، بداية جديدة
المدينة اللي صرت أعيش فيها في عُمان كانت البُريمي، وهي مدينة جنب العين في الإمارات، وعشان كذا في حركة كثيرة بين الجهتين. في البداية، مديرة المعهد قالت إنها بتحاول تجهز لي بيت، وكنت متحمسة، بس الصدمة كانت إني لازم أشتري كل الأجهزة، والأثاث بنفسي!
ما في ستوديوهات مؤثثة زي اللي في كوريا، أو دبي، وهنا حسيت بالإحباط مرة ثانية. بس مدرسات المعهد تواصلوا مع كوريين يعرفونهم من زمان، وأحد الكوريين وافق يساعدني، والأحلى اكتشفت إن في كوريين كثير ساكنين في البريمي!
وفي هذيك اللحظة، وحدة من الكوريات كانت راجعة كوريا للعلاج، وكان لازم تترك شقتها، والمفاجأة في قطوة في البيت! وكانت تدور أحد يهتم في القطوة، وأنا كنت بالضبط أحتاج مكان أسكن فيه.
فرحت من قلبي، ووعدتها إني راح أهتم بالبيت، وأحافظ على نظافته، وجماله. وبهالطريقة، حصلت على بيت بطريقة درامية، ولطيفة جدا!
القطوة اسمها "تشوكو"، وكانت حذرة مني في البداية، بس شوي شوي بدأت تتعود عليّ، وبالنهاية؟ صرنا أعز الأصحاب!
تعلمت العامية الخليجية، وامتلأ قلبي بأناس طيبة
أخيرًا، بدأت دروس العامية الخليجية اللي كنت أحلم فيها من زمان! حضرت صفوف المعلمات الرائعات: وضحى، كاملة، وفاء، وريم. كل الدروس كانت باللغة العربية فقط، بس الحمد لله، بفضل المدرسات الحبوبات، مستواي تحسن بشكل كبير في وقت قصير!، وإلى اليوم، ما زلت على تواصل معاهم كصديقات عزيزات على قلبي.
ومن الأشياء اللي ما أنساها أبدا في حياتي في عُمان، إن بيتي كان قدام سكن الطالبات لجامعة العين! كنت أتمنى أتعرف على صديقات جدد، فكنت أتمشى كثير قدام السكن، وفجأة في يوم من الأيام، شفت بنت تلوح لي من السطح في الليل!، أنا؟! كنت راح أطيح من الخوف! فكرت إنها يمكن... شي غريب، أو شبح بس طلع إنها زهرة!
ومن هنا بدأت صداقتنا اللطيفة، ومن خلال زهرة، تعرفت على صديقات ثانين زي ريهام، وفاطمة، وصاروا جزء من ذكرياتي الجميلة في عُمان. عزموني على غرفهم، وطبخوا لي برياني لذيذ جدا، وطلعنا كشتنا في الحديقة، وتمشينا تحت ضوء القمر، والشي اللي كان يضحكني إن البنات، من أي بلد كانوا، يحبون البيكنيك (التنزه)، والتصوير بجنون! حسيت إن هالشي عالمي، وما له علاقة بالثقافة، أو الجنسية! البنات هم البنات، في كل مكان!
كانت السيارة شي ضروري في البريمي، بس ما كان عندي سيارة، اعتمدت كثير على طيبة الناس اللي حولي. الجميلة "ام حكيم، مها"، العراقية اللي تسكن الطابق الثاني من بيتي، والكوريين اللي تعرفت عليهم، ومدير المعهد، ومدرسات المعهد ساعدوني كثير! من تجديد الفيزا، إلى التسوق، وكل المهام اليومية.
وكل مرة أشتاق فيها للأكل الكوري، أروح عند بيت المدرب اللي يدير نادي التايكوندو في البريمي، أكله مرة خطير! ما شاء الله عليه، طبخه يرد لي روحي.
وحتى سافرنا مع بعض إلى مسقط، وكانت رحلة ما تنسى، وطلعت كمان في بيكنيك مع الكوريين اللي يسكنون في البريمي، وقضينا وقت لطيف جدًا في الحديقة، نضحك، وناكل، ونصوّر.
كانت مديرة المعهد دائما تساندني، ونروح بيكنيك مع الطلاب إلى الحديقة، والبر، ومن أجمل التجارب التي عشتها في عُمان كانت رحلة التخييم في الصحراء التي ذهبنا فيها معا!
وما اقدر أبدا أنسى المشاكيك اللي أعده لنا بعض المحليين اللي كانوا يخيمون قريب منا لين اليوم، أتذكر طعمه.. كان لذيذا بطريقة لا توصف!
حتى لما صار احتفال في حديقة البريمي بمناسبة اليوم الوطني، شفت كل الناس مجتمعين في جو مليان فرح، ودفء، الناس كانت تضحك، وتغني، وتستمتع، وكل هاللحظات خلت قلبي يبتسم.
كل مرة كنت أروح فيها بيكنيك، أو احتفال، يجي في بالي سؤال: "الحياة في كوريا... كانت مملة شوي، صح؟ ليش ما كان عندنا أشياء زي كذا؟"، بصراحة كنت وايد فرحانه في عُمان. الناس اللي قابلتهم هناك، سواء كانوا كوريين، أو عرب، كانوا كلهم طيبين، وقلوبهم دافية، وأتساءل لو ما ساعدوني كلهم، هل كنت فعلا راح أقدر أسكن، وأتأقلم في بلد ما كنت حتى مخططة أروح له؟ كل لحظة جميلة قضيتها هناك كانت بفضلهم. وبفضل قلوبهم الدافية، عشت فترة هادئة، وسعيدة، ومليانة حب، وامتنان.
التحدي مستمر!
لما أرجع أتذكر، أحس إن اللي سويته كان مغامرة بدون خطة واضحة، بس مع كذا تعلمت أشياء كثيرة، وقابلت ناس رائعين جدًا.
المدة اللي عشتها في عُمان كانت قصيرة، بس عطتني فرص كبيرة، ومن ضمنها انضمامي لفريق يلا كوريا!، ومن خلال شغلي هناك، قدرت أتعرف على ناس من كل دول الخليج، مو بس الإمارات، وعُمان، بل حتى من السعودية، وقطر، والبحرين، والكويت!
الشي الغريب؟ إني قابلت خليجيين في كوريا أكثر من لما كنت في الخليج! وين كنتم؟ اشتقتلكم!"
من الأردن إلى عُمان، ومن الضيوف في يلا كوريا، كل اللقاءات الصغيرة هذي صنعت لي روابط جميلة جدًا، وكانت مو بس ممتعة، لكنها خلتني أحس بالفخر، والسعادة من قلبي.
لو ما كان عندي الشجاعة، (والمغامرة المجنونة)، ما كنت وصلت لهنا، وما كان عندي نفس الحلم، والطموح في اللغة العربية. أتذكر درس مع الأستاذة كاملة، لما قالت لي: "إذا تبين تتكلمين مثل أهل البلد، لازم تقولينها بهالطريقة!"، وكانت تتكلم بسرعة خرافية فكرت ان أبي أكون الكورية اللي تتكلم كذا في المستقبل!
وإذا جتني فرصة... أكيد برجع عمان، أو الإمارات!، وأتمنى إن وردة (أنا) تظل عندها نفس الشجاعة، وتكمل مشوارها بكل حب وبدون خوف.
السعودية، قطر، الكويت، البحرين... استنوني، جايه لكم!
عن المؤلفة
وردة
بكالوريوس في دراسات الشرق الأوسط – جامعة دانغوك، كوريا الجنوبية (2024) برنامج دراسة اللغة العربية – الجامعة الأردنية، الأردن برنامج دراسة اللغة العربية – بريمي، سلطنة عُمان موظفة في شركة يلا كوريا (2024 – حتى الآن)
"مرحبًا، معكم وردة ! قبل انضمامي إلى شركة يلا كوريا، ذهبت في رحلات دراسة اللغة إلى الأردن وعُمان. كانت هناك الكثير من الذكريات الممتعة التي لا تُنسى! واليوم، أحب أن أشارككم بعضًا من تلك القصص الخاصة."