
مقالة مديحة : أول انطباع عن السعودية بعينٍ كورية
مقالة مديحة : أول انطباع عن السعودية بعينٍ كورية
أول انطباع عن السعودية بعينٍ كورية
10 فبراير 2023، إنه اليوم الذي استقللتُ فيه الطائرة متوجهةً إلى المملكة العربية السعودية. منذ أن تخصصتُ في اللغة العربية في الجامعة عام 2010، سافرتُ خلال 13 عامًا إلى العديد من الدول العربية، والتقيتُ بالكثير من العرب. لقد كان أكثر من التقيتُ بهم من السعودية، لكنني لم أزر المملكة العربية السعودية نفسها ولو لمرة واحدة.
يا له من شعور رائع أن أزور - بنفسي - هذا المكان الذي لطالما سمعت عنه، وتخيلته فقط! لقد كانت المملكة العربية السعودية، كما رأيتها بعيني، مختلفة تمامًا عمّا كنت أتصوره، ومن الآن، سأبدأ في توثيق كل اللحظات التي تركت أثرًا في قلبي خلال رحلتي التي دامت أسبوعين، لحظةً بعد لحظة.
عندما أتكلم باللهجة، يردون عليّ باللهجة
قبل زيارتي للمملكة العربية السعودية، لم أتمكن من زيارة أي دولة عربية لمدة عامين بسبب جائحة كورونا، وكان من الصعب أيضًا لقاء العرب في كوريا. شعرت أنه لا يمكنني الاستمرار على هذا النحو، فطلبت من صديقي السعودي أن يعلّمني اللهجة السعودية، وبدأت أتابع المسلسلات السعودية، وأدرس اللهجة السعودية بجدية.
فور وصولي إلى السعودية، بدأت أتحدث مع السكان المحليين باللهجة السعودية التي تعلمتها، ولدهشتي، لم يكن هناك أحد إلا وقال لي مبتسمًا: "أوه، تتكلمين العربية!"، وردّ عليّ بنفس اللهجة السعودية. في الحقيقة، في الدول العربية الأخرى التي زرتها من قبل، كان الناس غالبًا يردّون عليّ بالإنجليزية، أو بالعربية الفصحى، حتى عندما كنت أستخدم لهجتهم.
لكن المملكة العربية السعودية كانت مختلفة تمامًا؛ شعرت وكأن كل تلك الساعات من الدراسة، والجهد خلال العامين الماضيين قد أُثمرت. كان شعورًا رائعًا أن يفهم الناس لهجتي، ويتجاوبوا معي بها. لو كان لدي أحد يفكر في دراسة اللغة العربية، فلن أتردد للحظة واحدة في أن أوصي له بالسعودية. فشكرًا من أعماق قلبي لكل من ردّ عليّ بكلمة دافئة بلهجته الجميلة.
حتى في السعودية... يوجد شتاء
في صيف كوريا الحار، كنتُ دائمًا أسأل السياح السعوديين الذين يزورون كوريا: أليس الصيف هنا حارًا جدًا؟، وكان الجواب المعتاد: "لا شيء مقارنة بحرّ السعودية"، صدّقت كلامهم، وظننت أن السعودية لا يوجد فيها موسم شتاء، لذا أخذت معي معطف خفيف فقط.
ولكن ما إن وصلت إلى الرياض، حتى أدركت الحقيقة؛ نعم، في السعودية شتاء! كان الجو باردًا جدًا، والرياح قوية. في الشقة التي حجزناها عبر Airbnb، دخلت مها - صديقتي في الرحلة - إلى الحمام أولًا، وبعدها دخلتُ أنا، وبينما كنتُ أغسل شعري بالماء الدافئ، إذا بالماء الدافيء يتحول فجأة إلى بارد. لم يخطر ببالي أبدًا أن أغلب الحمامات في السعودية تعتمد على سخان الماء!
وهكذا، عشت أبرد شتاء في حياتي عام 2023 في السعودية؛ لذلك أنصح كل من يخطط لزيارة المملكة العربية السعودية في الشتاء ألا ينسى أن يأخذ معه ملابس دافئة!
الكبسة الطبق الأشهر في السعودية... ولكن مرة واحدة في اليوم تكفي!
كان أصدقائي السعوديون الذين التقيت بهم في كوريا يتحدثون دائمًا عن "الكبسة"، وهي طبق تقليدي شهير في المملكة العربية السعودية، يُحضّر من أرز بسمتي طويل يُطهى مع اللحم، والتوابل حتى ينضج بالكامل. جربت الكبسة في بعض المطاعم العربية في كوريا، لكنني كنت دائمًا أتساءل عن طعمها الحقيقي في بلدها الأصلي.
أول كبسة تذوقتها في السعودية كانت في مطعم "السدّة". وما إن أخذت أول لقمة، حتى قلت في نفسي: "آه، الآن فهمت لماذا يتحدث الجميع عن الكبسة بهذه الحماسة!"، كانت ألذ بكثير من أي كبسة تذوقتها في كوريا. وفي اليوم التالي، تناولت الكبسة في مطعم يُدعى "الكبسة الحساوية"، وبصراحة أعجبتني أكثر من كبسة مطعم السدّة.
لكن بعد عدة أيام من تناول الكبسة بشكل متواصل، بدأت أشعر أن معدتي لم تعد تتحمل، فقد كانت وجبة ثقيلة بالنسبة لي، واكتشفت لاحقًا أن السعوديين أنفسهم ينصحون بتناول الكبسة مرة واحدة فقط في اليوم، وأنه من الأفضل أخذ قيلولة بعدها للراحة.
جربت أنواعًا عديدة من الكبسة خلال رحلتي في السعودية، لكن ألذ كبسة على الإطلاق كانت في منزل صديقتي السعودية رما، التي دعتني إلى تناول وجبة العشاء. كانت كبسة منزلية محضّرة بكل حب، وبالفعل لا شيء يضاهي طعام البيت. أنصح كل من يزور السعودية بأن يجرّب الكبسة، فهي تجربة لا تُفوّت!
الطائف، أجمل مكان في السعودية
عندما يفكر معظم الناس في طبيعة الدول العربية، يتبادر إلى أذهانهم عادةً مشهد الصحراء، وبصراحة كنتُ أتساءل أيضًا: هل توجد طبيعة أخرى غير الصحراء في السعودية؟، لكن مدينة الطائف غيّرت هذا التصور تمامًا.انطلقنا من الرياض في الصباح الباكر، وعندما وصلنا إلى الطائف كانت الشمس قد بدأت تغرب. في صباح اليوم التالي، استيقظت على صوت تغريد العصافير، وعندما خرجت من مكان الإقامة، وجدت أمامي عالمًا مختلفًا تمامًا. كل شيء من حولي كان أخضرًا، ومنعشًا، وكأنني في منتجع جميل ومنسق بعناية. لم أصدق أنني ما زلت في المملكة العربية السعودية!
تعرفت على شخص يُدعى عامر أثناء عملي كمرشد سياحي في كوريا، وعندما علم أنني ذاهبة إلى السعودية، أصرّ أن نذهب معًا إلى الطائف، وكان أول مكان زرناه هو مزرعة الورد "ابن سلمان"، يا الله... لم أكن أتخيل أنني سأرى مثل هذا المنظر في السعودية! صحيح أن الورود لم تكن في كامل تفتحها، لكن أزهار المشمش المتفتحة استقبلتنا بجمالها، ودفئها، وهناك، شممت لأول مرة في حياتي رائحة النعناع الطازج بعد أن قُطف للتو، ولا تزال تلك الرائحة عالقة في ذاكرتي.
في الطائف، أتيحت لي الفرصة أيضًا لرؤية حيوانات متنوعة. عندما أخبرت أصدقائي السعوديين أنني ذاهبة إلى الطائف، قالوا لي جميعًا: "هناك جبل تعيش فيه قرود!"، وبالفعل بينما كنا نعبر الجبال بالسيارة، قفزت بعض القرود على السيارة فجأة! كانت تجربة مدهشة، ومفاجئة. بعد ذلك، توجهنا إلى مَربَط يُقال إنه يضم أجمل الخيول في السعودية، وكانت الخيول أنيقة وجميلة بشكل واضح. لا زالت صورتي مع أحد تلك الخيول صورة ملفّي الشخصي في تطبيق كاكاوتوك (تطبيق مراسلة كوري مشابه لتطبيق واتساب، ويُستخدم كثيرًا في كوريا) حتى الآن.
أعتقد أنّني لو كنت وحدي، لما كنت لأحظى بكل هذه التجارب الرائعة في الطائف، فمن أعماق قلبي أود أن أشكر عامر، وفيصل على الذكريات الجميلة التي لا تُنسى.
مكان لا يزال فيه أناس يتذكرونني ولا ينسونني
من أكثر الأمور التي شعرت بالامتنان لها خلال رحلتي إلى المملكة العربية السعودية، هو أن هناك أشخاصًا لا يزالون يتذكرونني، ويحتفظون بذكريات جميلة معي. خلال عملي كمرشدة سياحية في كوريا، التقيت بالعديد من السعوديين. بالطبع من الصعب أن أتذكر الجميع، لكن الوجه الذي أسعدني أكثر من غيره كان بلا شك وجه خالد.التقيت بخالد لأول مرة في عام 2016 في كوريا، كان طفلًا صغيرًا جاء في رحلة إلى كوريا مع والديه، وفي أحد الأيام، كنا نسير في الشارع، فرأى سيارة حمراء، فقلت له مازحة: هذه السيارة أصبحت حمراء لأنها أكلت فلفلًا حارًا!، فركض فورًا إلى والدته، وقال لها بكل جدية: "أمي! تلك السيارة حمراء لأن طعمها حار!"، وبعد أن عاد خالد إلى السعودية، لم نتمكن من البقاء على تواصل.
خلال هذه الرحلة، أقمتُ أنا، وفريق يلا كوريا جلسة حوارية في الرياض للتعريف بالكتاب الذي كتبناه معًا، وأعلنّا عن الفعالية على حساب يلا كوريا في إنستغرام، وعندما بدأت الجلسة، اقتربت مني سيدة وقالت: "أنا هنادي، أم خالد، هل تتذكرينني؟"، وفجأة مرّ في ذهني مشهد خالد الصغير، فقلت بدهشة، وفرح: خالد؟ نفسه خالد؟، لقد مضت سنوات طويلة، ومع ذلك، لم ينسَني خالد، وعائلته. شعرت بامتنان عميق، وفي الوقت نفسه، بشيء من الحرج لأني لم أتواصل معهم طوال تلك المدة.
للأسف، لم يتمكن خالد من حضور الجلسة، لكننا تحدثنا عبر مكالمة فيديو، وعندما ناداني باسمي: "مديحة~"، شعرت أن دموعي ستنهمر، لقد مرت سنوات طويلة، ومع ذلك لا يزال يتذكرني، ويتذكر الذكريات التي جمعتنا، لقد كانت لحظة مؤثرة للغاية.
ثم قدّمت لي هنادي هدية قالت إنها أعدتها مع خالد، كانت لوحة جميلة كتب عليها اسمي بخط اليد، بالإضافة إلى دمية صغيرة على شكل حوت، رغم أنني تلقيت العديد من الهدايا في حياتي، فإن هذه كانت من أكثرها تأثيرًا في قلبي، إنها هدية لن أنساها ما حييت.
رغم أن الرحلة كانت قصيرة، ولم تتجاوز أسبوعين، إلا أن المملكة العربية السعودية منحتني ذكريات جميلة لا تُنسى.
خلال سفري هناك، حاولت زيارة أكبر عدد ممكن من الأماكن، والتعرف على أكبر عدد من الناس، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الأماكن التي أرغب في زيارتها، والكثير من الأشخاص الذين أتمنى مقابلتهم، لقد أصبحت السعودية بلدًا أود زيارته مرة أخرى، بل مرتين، أو ثلاث مرات إن أمكن.
عن المؤلفة
مديحة
درجة البكالوريوس في اللغة العربية: جامعة ميونغ جي
حصلت على منحة دراسية ودرست اللغة العربية في جامعة الكويت
تخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف في قسم اللغة العربية
حصلت على رخصة الإرشاد باللغة العربية
حصلت على منحة دراسية ودرست اللغة العربية في جامعة الكويت
تخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف في قسم اللغة العربية
حصلت على رخصة الإرشاد باللغة العربية
"مرحبًا بكم،
اسمي مديحة، وقد تخصّصتُ في دراسة اللغة العربية في كوريا، وأعملُ حاليًا في مجال تعريف السيّاح العرب بكوريا وإرشادهم أثناء زيارتهم لها. منذ عام 2010 وحتى اليوم، حرصتُ على تعلّم اللغة العربية والتعمّق فيها، كما التقيتُ بالعديد من الأصدقاء العرب، وتشرّفتُ بزيارة عددٍ من الدول العربية.
اسمي مديحة، وقد تخصّصتُ في دراسة اللغة العربية في كوريا، وأعملُ حاليًا في مجال تعريف السيّاح العرب بكوريا وإرشادهم أثناء زيارتهم لها. منذ عام 2010 وحتى اليوم، حرصتُ على تعلّم اللغة العربية والتعمّق فيها، كما التقيتُ بالعديد من الأصدقاء العرب، وتشرّفتُ بزيارة عددٍ من الدول العربية.
في هذا المقال، يسعدني أن أشارككم تجربتي وانطباعاتي الخاصة خلال زيارتي للمملكة العربية السعودية، التي طالما سمعتُ عنها وتخيّلتُ زيارتها كثيرًا قبل أن أراها حقيقةً أمام عيني."