مقالة نيرة : ضفدع يلا كوريا... يقفز بين كوريا والشرق الأوسط

مقالة نيرة : ضفدع يلا كوريا... يقفز بين كوريا والشرق الأوسط

مقالة نيرة : ضفدع يلا كوريا... يقفز بين كوريا والشرق الأوسط

ضفدع يلا كوريا... يقفز بين كوريا والشرق الأوسط


 أول قفزة في حياتي كانت العربية

    في كوريا، لدينا مثلٌ يقول: "ضفدع في بئر". يُقال عن الشخص الذي يرضى بواقعه المحدود، ولا يدرك اتساع العالم من حوله، كما لو أن ضفدعًا يستطيع القفز عاليًا، لكنه لا يعرف سوى جدران بئره الضيقة.

    كنتُ مثل هذا الضفدع. لم يكن لديّ فضول تجاه العالم الجديد، ولا رغبة كبيرة في التحدي، أو المنافسة. عشت طوال حياتي في نفس الحي، وظننت أنني سأظل هكذا، راضية بما هو متاح. لكنني، وعن طريق الصدفة، بدأتُ بتعلُّم اللغة العربية، ولأول مرة في حياتي، نظرتُ خارج البئر، ومن هنا، قفزت أول قفزة حقيقية لي.



قفزتي إلى عُمان، نحو عالمٍ أوسع

      تلك القفزة الأولى حملتني إلى مكان لم أكن أتوقعه. في شتاء عامي الحادي والعشرين، ركبت الطائرة وحدي، وغادرت كوريا. وجدت نفسي في عالمٍ جديد تملؤه الصحراء، والمساجد، أدرس العربية في سلطنة عُمان.

      كانت إقامتي هناك قصيرة، لكنها تركت أثرًا لا يُنسى. مدينة هادئة، ناسها طيّبون، وإيقاع حياة بطيء جميل، حياة تبدو وكأنها خرجت من قصص ألف ليلة، وليلة. عندما يسألني أحد عن عُمان، أقول دائمًا: "كأنها بلد من حكاية خرافية". لا تزال تلك الأيام في ذاكرتي، وكأنها حلمٌ قصير عشته ثم استيقظت.

     هناك، خضت أول تجربة لي في العيش ببيئةٍ غريبة كليًا، أتعلم لغةً جديدة بين أشخاص من خلفيات مختلفة، وبينما كنت أدرس العربية، بدأت أسأل نفسي: كيف أريد عَيْشَ حياتي؟، وسط كل تلك الأسئلة، كنت أنظر نحو الأفق الواسع، وأدرك أن وقتي هناك يمر بسرعة، لكن شغفي بالعربية لم يُشبع بعد، ولا رغبتي في رؤية العالم، فقررت أن أقفز من جديد، هذه المرة… إلى مصر!




قفزة جديدة نحو تحدٍّ آخر

     عندما خرجت لأول مرة إلى شوارع القاهرة، أدركت بسرعة أن ما تعلّمته من العربية في الكتب لا يكفي، فالناس هنا يتحدثون لهجتهم الخاصة - العامية المصرية - بعبارات مثل: "إزيّك؟"، و "إنت ساكن فين؟".

    في البداية، شعرت بالارتباك، لكن شيئًا، فشيئًا بدأت أعيش في قلب هذه اللغة، ورغم صعوبة التعبير أحيانًا، وجدت التواصل مع الناس أسهل مما توقعت، فقد أدركت أن الفصاحة ليست الأهم، بل الرغبة الحقيقية في الفهم.

    عندما نظرت للأمر من هذه الزاوية، بدأت ألاحظ من حولي، حارس العمارة الجالس أمام الباب، الأطفال في الشوارع، والبائعين في الأسواق، وبصفتي أجنبية أتمتع ببعض الحرية، استطعت أن أرى طبقات مختلفة من المجتمع المصري، ومن خلالهم، بدأت أفهم السبب الحقيقي وراء تعلّمي للعربية.

     لم أكن هنا فقط لأُجيد اللغة، بل كنت أتعلم كيف أفهم الناس من خلال كلماتهم، وبدأت أحلم بأن أكون صوتًا ينقل حكاياتهم، حين أفكّر في مستقبلي، لم أعد أطمح لأن أكون مجرد مترجمة، بل أريد أن أتكلم بصوتي، أن أشارك في الحوار، وأن أروي القصص. وكان هذا الحلم دافعًا لقفزتي التالية.




قفزتي الحالية، يلا كوريا!

     في عشرينياتي، بدأت القفزة الأولى بتعلم العربية، ثم نضجت في عالم التواصل. بعد عودتي إلى كوريا، درست الإعلام، وتعلّمت كيف أروي القصص لا بالكلمات فقط، بل بالرسائل. وبقيت أدرس العربية؛ لأنني كنت مؤمنة بأن هذين الطريقين سيلتقيان يومًا ما.

     واليوم، أعمل في شركة "يلا كوريا"، وكالة سياحية متخصصة بالشرق الأوسط، حيث ألتقي بأشخاص من كل أنحاء العالم العربي. أصنع محتوى لأُعرّف العرب بكوريا، وجمالها، وأرافق السياح كمرشدة سياحية؛ لأُظهر لهم "كوريا الحقيقية". ولم أكتفِ بذلك، بل حصلت مؤخرًا على شهادة في التاريخ الكوري، حتى أتمكن من تقديمه بطريقة شيّقة، وممتعة، وأحلم بأن أكون جسرًا ينقل القصص بين كوريا، والشرق الأوسط، وأن أُشارك العالم حكاياتنا.

       قفزاتي لم تنتهِ بعد… فما زلت أُواصل القفز نحو الأبعد، والأعمق.





عن المؤلفة


نيّرة

تخرجت قسم الإعلام، جامعة سوجانغ حلصت على منحة دراسية من الحكومة العُمانية – كلية السلطان قابوس درست اللغة العربية في مصر مديرة في قسم العلاقات العامة – يلا كوريا

"مرحبا! معكم "نيّرة" من يلا كوريا كلما رأيت السيّاح العرب ينظرون إلى كوريا، هذا البلد البعيد والغريب بالنسبة للكثيرين، بنظرة دافئة ومليئة بالاهتمام، أشعر بالدهشة والامتنان في آنٍ واحد. عندما نسير معًا في أزقة سيول، ونستنشق نسيم جبل نامسان، ونتشارك في مذاق المطبخ الكوري، أُدرك كم أنا محظوظة لكوني أعمل في هذا المجال. أتمنى أن تكون هذه الرحلة التي نعيشها معًا ذكرى جميلة في قلوبكم، كما تبقى بالنسبة لي تجربة ثمينة لا تُنسى"




Leave a comment

* Required fields